لقد حصلت على هذه القصيدة التي كتبت للشهيد ناجي العلي... وقد كتبها أحد أصدقائه المقربين ... وحبيت أنقلها للجميع .. أتمنى أن تنال الاعجاب
تَيَقَّنْتُ مِنْ شِدَّةِ الموْتِ غيرِ الطَّبيعِيِّ لمَّا
وَجَدْتُ الحَياةَ تسيرُ المسَارَ الطَّبيعيَّ
مِنْ بَعدِ مَوْتِكْ
وَكانَ المُقَرَّرُ:
أنْ تَقْلِبَ الأَرْضُ ظَهْرَ المِجَنِّ
لِسَيْلِ الخُطَى فوْقَها
بَعْدَ خَطْوِكْ
وَأَنْ تَنْزِفَ الشَّمْسُ حتَّى
تَسُدَّ الفَراغَ المُمِيتَ المُسَجَّى
على صَدْرِ دَرْبِكْ
لقدْ كانَ مُفْتَرَضًا:
أنْ تَلُوكَ الخُيولُ لِجاماتِها
بَعْدَ لَجْمِكْ
وَأَنْ تَنْحَرَ البِيضُ أَغْمادَها،
أَنْ تَصُبَّ القصائِدُ
كُلَّ بُحُورِ الخَليلِ بِكَفِّكْ
وَأَنْ يَخْرُجَ الصَّمْتُ عَنْ صَمْتِهِ
بَعْدَ صَمْتِكْ
لقدْ كانَ مُفْتَرَضًا أَيُّ شَيءٍ...
ولكنْ،
تَيَقَّنْتُ مِنْ عَطَلِ الخَيْلِ
حينَ كَبَتْ بالسُّروجِ
على حافَةِ الهَاوِيَهْ
لقدْ كانَ مُفْتَرَضًا أَيُّ شَيءٍ...
ولكنْ،
تَيَقَّنْتُ مِنْ خَجَلِ السَّيْفِ
حينَ اشْتَكَى صَدَأَ الحَاوِيَهْ
لقدْ كانَ مُفْتَرَضًا أَيُّ شَيءٍ...
ولكنْ،
تَيَقَّنْتُ مِنْ عَبَثِ الشِّعْرِ – يا صاحبي –
حينَ ضاقَتْ مَقاييسُ كُلِّ الحُروفِ على قافِيَهْ
تَمُرُّ - على خَجَلٍ –
عِنْدَ قَبْرِكْ!!
***
سَأَبْكيكَ بِالْمُمْكِنِ المُسْتَحيلِ مِنَ الشِّعْرِ،
ليتَ القَوافي
تُفَتِّقُ صَدْرَ البُحُورِ
لِتَغْمِسَ في قَلْبِها
شِعْرَ عُرْسِكْ
وَلَيْتَ المَنافي تضيقُ،
لِتَغْدُوَ في حَجْمِ سِرِّكْ!
سَأَبْكيكَ ما عِشْتُ،
أو أَنْ أُوارَى الرَّصاصَ،
وَتُحْجَبَ عَنِّي مَباسِمُ ثَغْرِكْ
سَأَبْكيكَ ما كانَ دَمْعٌ،
وما كانَ قَمْعٌ،
وما استَنْزَفَتْني مَلامِحُ وَجْهِكْ
سَأَبْكيكَ..
حَتَّى تَقُولَ الحِجارَةُ:
إِنَّ القِيامَةَ في الأَرْضِ
مِنْ طَرْحِ غَرْسِكْ
وَإِنَّ الدِّماءَ على لَوْحَةِ الأُفْقِ
مِنْ وَحْيِ حِبْرِكْ
***
تَيَقَّنْتُ مِنْ مَوْتِكَ الآنَ،
مَنْ جَمَّلَ المَوْتَ حَتَّى تَمُوتَ،
وَتَهْرُبَ مِنْ نَبْضِ قَلْبِكْ؟!
وَمَنْ حَوَّلَ الدَّرْبَ حَتَّى
عَثَرتَ بِجُثَّةِ ظِلِّكْ؟!
لَكَ اللهُ مِنْ راحِلٍ
في نُعُوشٍ مُحَيِّرَةٍ مُبْهَماتْ
تُلَوِّحُ مِنْها،
وَتَحْصُدُ ما شِئْتَ
مِنْ بَسْمَةِ الأُمَّهاتْ
وَتُعْمِلُ في أَعْيُنِ الثَّاكِلينَ
أَزامِيلَكَ القاسِياتْ!
لِماذا رَحَلْتَ،
وفي الأَرْضِ مُتَّسَعٌ
لِلدَّفاتِرِ والحِبْرِ والأُمْنِياتْ
وفي الوَقْتِ مُتَّسَعٌ
للتَّنَهُّدِ والصَّمْتِ،
والْخَوْضِ في تُرَّهاتِ الشَّتَاتْ؟!
لِماذا رَحَلْتَ،
وَإِنَّكَ تَدْري،
بِأَنَّ رَحِيلَكَ أُنْشُوطَةٌ
تَسْتَريحُ على عُنُقِ الأُغْنِِياتْ؟!
لِماذا رَحَلْتَ،
وَأَفْرَطْتَ في عِشْقِ بُعْدِكْ
وَأَبْقَيْتَ في الدَّرْبِ
بَعْضَ الخُطَى الرَّاجِفاتْ
تُرَجِّعُ أَصْداءَ أصداءِ لَحْنِكْ؟!
لَكَ اللهَ مِنْ راحِلٍ لا يَؤُوبُ
لِيُطْفِئَ زَفْراتِنا الحارِقاتْ
وَيُقْنِعَ أَعْيُنَنا الدَّامِعاتْ
بِأَنَّ المَنايا - إِذا زُرْنَ –
لا تَرْحَمُ الذَّارِفاتْ!!
***
تَيَقَّنْتُ مِنْ مَوْتِكَ الآنَ
دَعْني أُصارِحْكَ:
إِنَّ الرَّدى
لا يُعيدُ ضَحاياهُ ثانِيةً لِلْحَياةْ
فَكَيفَ اقْتَنَعْنا
بِأَنَّكَ لا بُدَّ آتْ؟!
وَكَيْفَ عَكَفْنا
على جَمْعِ وَجْهِكَ
مِنْ دَفْتَرِ الذِّكْرَياتْ؟!
تَيَقَّنْتُ مِنْ مَوْتِكَ الآنَ
نَمْ يا صَديقي
فَخَيْرُ الرِّجالِ بِبَطْنِ التُّرابِ،
وَمَنْ فَوْقَهُ..
لَمْ يُطِقْهُ الْمَمَاتْ!!!