من هو قنطار ؟؟
سمير قنطار شاب لبناني ، ولد في بلدة عبية عام 1962 ، نشأ و ترعرع على ثراها ، شب سمير الإنسان على تلك الأرض الطيبة و نما ، و عليها بدأت حواسه بالتفتح و التبصر ، و أخذت مداركه تنمو و تتسع ، فرأى و شاهد الكثير ، و أدرك معانيه ، و من جملة ما رأى و شاهد ، و أثّر فيه ، و آلمه كثيراً الظلم يقع صارخاً على إخوانه الفلسطينيين ، حتى بعد أن طرِدوا من ديارهم ظلماً بمزاعم و ادعاءات فما انفك القتل و التدمير يلاحقهم و يطاردهم أينما رحلوا ، و حيثما حلّوا.
هكذا نشأ سمير الإنسان ، حيث في سياق الحياة و تشعّباتها تتحدّد معالم النفوس الخيرة ، و هذا ما حدث له ، بأبعاد إنسانية ، حضارية ، و تاريخية ، تكوّنت نفسه الطيبة ، و صارت معمّدة بخلق إنساني رفيع ، يحبّ الخير ، و يمقت الظلم ، يرفضه أداة مدمّرة تستهدف الإنسان عموماً ، فكيف و هو يراه منصباً على إخوانه الفلسطينيين ؟ ، يستهدف ليس فقط دمهم و أرضهم و تاريخهم ، بل كيانهم ، و هويتهم أيضاً ، فاختار الوقوف معهم ، و النضال في سبيل قضيتهم ، قضيته العادلة . كان ذلك هو خيار سمير المناضل ، رغم الصعاب و المخاطر التي تحيط به من كلّ جانب ، الملفت للنظر ، و المميّز فيما أقدم عليه ، أن خياره ذاك لم يكن حتمياً ، بالأحرى لم يكن الوحيد أمام شابٍّ في مقتبل العمر ، يعيش في لبنان الحافل بالخيارات و المغريات و المثيرات ، حيث كان بمقدوره و بسهولة أن يسير في أيّ طريق آخر ، فلم يكن هناك من يوحي إليه أو يدفعه للسير في طريق الأهوال ، سوى نفسه الطيبة ، و وجدانه النبيل ، المؤمن بالإنسان ، بالعدل ، و الحق.
الكثير .. الكثير من الشباب اللبناني و العربي و حتى الفلسطيني ، إذ إن نسبة الفلسطينيين الذين انخرطوا بالعمل الفدائي - علماً أن لذلك أسباب موضوعية - متدنيّة بالمقارنة مع تعداد الشعب الفلسطيني ، و مقياس أولئك الشباب عموماً ، يتعارض مع مقياس سمير ، فالنجاح و الفشل لديهم هو مقدار ما يتراكم لدى الفرد من مال و عقارات.
التحق إلى جبهة تحرير فلسطين ، يرى الانتماء طريقاً يوصل للهدف ، و درباً معمّداً بالعرق و الدم و السلاح ، يشقّه مع رفاقه ، حتى تحقيق الهدف السامي ، و الغاية النبيلة.
انضم إلى معسكر للرواد ، حيث كان لا يزال شبلاً ، تدرّب على العديد من أنواع السلاح و فنون القتال ، و أتقنها بامتياز ، حاول قبل أن يقوم بالعملية الأخيرة ، النزول إلى الأرض المحتلة ، مع عددٍ من رفاقه عبر الأردن ، ألقِيَ القبض عليه هناك ، و قضى في السجن عدة شهور، أعيد بعدها إلى لبنان.
عندما بدأ الإعداد لعملية نهاريا ، الهدف كان أخذ رهائن ، و المطالبة بإطلاق سراح معتقلين من سجون الاحتلال مرّ على وجودهم في الأسر سنون طويلة ، تطوّع للمشاركة بها فذلك النوع من العمليات بحاجة إلى استعداد ذاتي ، فالأمر ، و الأمر العسكري ، في هكذا نوع من العمل ، لا يجدي كثيراً.
جرى اختيار أفراد المجموعة ، أربعة أفراد تمت تهيئتهم و إعدادهم للحظة الانطلاق ، و أطلق على المجموعة اسم جمال عبد الناصر.
و في شهر نيسان من عام 1979 انطلق سمير و رفاقه يحملون دمهم على أكفهم ، على أهبة الاستعداد لسفحه في سبيل الله ، و من أجل عزة الوطن ، و خير الإنسان ، يقدّمونه عربون وفاء ، و إخلاص ، كي يتحرّر الوطن ، و يزدهر ، لتنتشر فيه الورود و الرياحين ، و لتتحطّم أبواب الزنازين ، و تحلّ أغلال المعتقلين ، فيعودون إلى أهلهم و محبّيهم طيوراً تحمل العزة و العنفوان و الإباء.
بعد أن اقتحم هو و مجموعته مستوطنة نهاريا ، سيطروا على أحد البيوت ، و احتجزوا رهائن في داخله ، و فور علمها بالأمر ، استنفرت قوات العدو ، و طوّقت المنطقة ، و من ثم المنزل ، لم يكن هدف سمير و رفاقه قتل أيّ من الرهائن ، غايتهم كانت تحرير معتقلين من الأسر كما كانت غاية رفاقهم في العمليات السابقة ، كعملية خطف طائرة سبينة إلى مطار اللد ، و عملية المدينة الرياضية في ميونيخ ، و عملية الخالصة ، و معالوت ، و فندق سافوي ، وعملية الساحل ، عملية الشهيدة دلال المغربي و رفاقها و خطف الجندي ناخشون فاكسمان . في كلّ تلك العمليات كان العدو هو المبادر بإطلاق النار ، و ليقتل من يقتل من الموجودين خاطفين أو مخطوفين.
و هكذا كان سلوك الصهاينة هذه المرة أيضاً ، اقتحمت قواته المنزل و قتل عدداً من الرهائن ، و استشهد اثنان من المناضلين ، و ألقيَ القبض على ثالث أطلق سراحه لاحقاً عام 1985 ، أما سمير فقد ألقي القبض عليه فاقداً الوعي ، بعد إصابته بعدة إصابات استدعت نقله إلى أحد مشافي العدو ، بعد صراع مع الجراح العديدة ، و الخطيرة ، عادت إليه الحياة ، فأدرك حينها الحال التي بات فيها ، و عرف أنه لم يعد يملك ما يذود به عن قضيته العادلة ، و عن إنسانيته ، و ما يؤمن به من قيم ، سوى الإرادة.
هكذا فضل المرض الرهيب ، رفيقاً ملازماً سيئاً ، على من هو أسوأ منه ، العدو الصهيوني ، و طلب العون منه ، طالبت لجنة المعتقل ، و هي تتشكّل من المعتقلين و تمثّلهم ، من إدارة السجن أكثر من مرة نقله إلى سجن بئر السبع ، دون طائل ، المطلوب أن يأتي هو إلى المدير طالباً ذلك ، الشيء الذي لم يحدث ، ازدادت حاله سوءاً ، و تدخل الصليب الأحمر مرات و مرات ، و بحث الأمر مع السلطات العليا ، أخيراً بعد أكثر من عام نقل إلى سجن بئر السبع ، فالجوّ هناك جاف و صحراوي ومناسب لمثل حاله.
بدأ وضعه بالتحسّن ، لم يفوّت الفرصة ، أخذ يقصد المعرفة ، يبحث عنها ، يجمعها ، يستخلصها من بطون الكتب .
كلّ من عرف سمير عرفه إنساناً محباً للمعرفة ، قوي الشكيمة ، طيب السريرة ، و حسن الخلق . مساء الإثنين 10/11/2003 تجمّع عشرات الفلسطينيين قرب ساحة الجندي المجهول بغزة يحملون الشموع تضامناً مع قنطار