الدرس الاولحينما أصدرت جبهتنا الشعبية بيانها الأول لانطلاقتها في الثاني عشر من نوفمبر 1967، فإنها حرصت على أن تكون استمراراً للتاريخ والإرث النضالي لحركة القوميين العرب، بمثل ما حرصت – وما زالت- أن يكون انتماء الكادحين وأبناء الفقراء والمهمشين لجبهتنا الشعبية، تجسيداً لطموحاتهم وآمالهم في التحرر والعدالة الاجتماعية والمساواة بمثل ما هو تحقيق للذات من أبناء الكادحين والفقراء عموماً والشباب منهم خصوصاً ليجدوا فيها بيتاً دافئاً وإطاراً منظماً لتصليب إرادتهم وبناء الأسس المعرفية والمنطلقات الفكرية والمجتمعية العلمية التي تعزز فيهم الدافعية والتواصل وفق الأهداف الوطنية والقومية والإنسانية التي نذرت الجبهة الشعبية نفسها للنضال من اجل تحقيقها التزاماً منها بقضايا شعبنا وامتنا العربية.
من هنا، فلا غرابة على الإطلاق، من انضواء الآلاف من الشباب والشابات من أبناء الكادحين والمثقفين الثوريين مرددين بصوت واحد " إننا جميعاً لنا كامل الشرف أن نلبي نداء الجبهة الشعبية الصادر يوم انطلاقتها مخاطباً العمال والفلاحين وفقراء شعبنا وجماهير اللاجئين والنازحين والطلاب والمثقفين، معلناً "هذه هي البداية ترفع جبهتكم الشعبية رايات الفداء والصمود والتحدي، دونما أي وعود بالأحلام الوردية، لكن بمزيد من النضال والتعبئة السياسية والدفاع عن الجماهير، فالقتال الذي نخطو أولى خطواته اليوم طويل وقاسي ومرير، وانتم قيادته ومادته وأصحاب الفعل الحقيقي فيه.... إننا نؤمن بأهمية الفكر السياسي وسلامة الخط السياسي، ودوره في انتصار الثورة، ذلك أن الرؤية الواضحة للأمور، للعدو ولقوى الثورة، شرط أساسي من شروط النجاح، وفي ضوء هذه الرؤيا تتحدد إستراتيجية المعركة (على صعيد التحرر الوطني والقومي أو على صعيد التحرر الديمقراطي والعدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية)، وبدون ذلك يكون العمل الوطني عفوياً ومرتجلاً" .
أيها العمال والفلاحون والمثقفون والطلاب، أيها المهنيون والموظفون والمزارعون ، أيها اللاجئون في المخيمات، أيها الفقراء والكادحون... أيها العاطلون عن العمل... أيها الرجال والنساء من أبناء جماهيرنا الشعبية الذين ناضلوا وقدموا أغلى التضحيات عبر نضال متصل دفاعاً عن الوطن ومن أجل الحرية والاستقلال وحق العودة وإقامة الدولة الوطنية الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ففي هذه المرحلة الحرجة من الصراع التناحري غير المتوازن مع العدو الصهيوني/الأمريكي ، سواء في فلسطين أو في بقية أرجاء وطننا العربي ، فان الشعور بالقلق والتربص ينتاب قطاعات واسعة من أبناء شعبنا الفلسطيني ، في الوطن والشتات إزاء مجرى ما يسمى بالعملية السياسية التي انطلقت من أوسلو وما تلاها من اتفاقات ، وما رافق كل ذلك من تصعيد للسياسة العدوانية الصهيونية التي تستهدف تدمير مقدرات شعبنا ونهب ومصادرة أرضنا عبر المستوطنات والمعازل والجدار الفاصل بين أبناء شعبنا على أرضنا المحتلة ، إلى جانب إمعان العدو الصهيوني في تحدي قرارات الشرعية الدولية والتنكر للحقوق الوطنية لشعبنا في مقابل سعيه لتوفير الشروط اللازمة لإدامة الاحتلال ، وتوطين اللاجئين من ابناء شعبنا خارج وطنهم ، وتمزيق وحدة شعبنا وتجزئة قضيته الوطنية عبر ما يسمى بـ "خارطة الطريق" و"خطة شارون/أولمرت" .
ان مواصلة هذه العملية وفق الشروط الامريكية الاسرائيلية ، سيلحق المزيد من الضرر بمنجزاتنا الوطنية والسياسية ، كما ان التعاطي مع هذه المشاريع سيؤدي الى تدمير منجزاتنا الوطنية التي تحققت على اكثر من صعيد على امتداد اكثر من سبعين عاما من النضال الوطني المعاصر لشعبنا ، وبالتالي فإن نضال شعبنا من اجل استقلاله وحقه في العودة وتقرير المصير والاستقلال والعدالة الاجتماعية والحياة الديمقراطية الحرة على ارض وطنه هو الخيار الوحيد الذي يجب التمسك به في مواجهة المخطط الامريكي الصهيوني الذي يستهدف تصفية حقوقنا الوطنية والتاريخية .
ولكن السؤال ؟ هل نكتفي بمعالجة "خارطة الطريق" و"خطة شارون/اولمرت" بالانسحاب من غزة وجزء من الضفة، بمنطق المزيد من التشخيص و التحليل و تبيان هذه المخاطر المتراكمة أم أن علينا في الجبهة الشعبية ومعنا كل القوى الديمقراطية وقطاع واسع من جماهير شعبنا استحقاقات أخرى، ليست غاية في ذاتها، بقدر ما هي وعاء أو إطار، يحمل على عاتقه هموم و معاناة و برنامج المستقبل للوطن و الجماهير الشعبية في آن معاً ؟ استحقاقات تدفع بنا إلى دوائر و ميادين تتجاوز كل هذه الاتفاقات التي تهبط بشعبنا من قاع الى قاع آخر أكثر سوءا ، بمثل ما تتجاوز كل ممارسات السلطة السابقة –طوال الاثنى عشر عاما العجاف الماضية- على الصعيد السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي ، دون أن تتخطاهما أو تقلل من مخاطرهما على شعبنا و جماهيرنا الفقيرة و أرضنا المحتلة بصورة شمولية واسعة ؟ بالطبع ، ان الجواب المبدئي -للوهلة الاولى- ان جبهتنا ومعها كل القوى الخيّرة من ابناء شعبنا لا بد لها من ان تدرك انها ستدفع ثمن كل هذه الاستحقاقات ، و ستتجاوز مع جماهيرها الشعبية كل هذه العقبات، و لن تتسمر عند حدود أي منها مؤمنة بخصوصيتها الوطنية الفلسطينية في اطار عروبتها كجوهر رئيسي ، وبمبادئها في الحرية و العدالة الاجتماعية والديمقراطية بآفاقها الاشتراكية .